التنبّؤ بأسواق العملات من خلال فرق عوائد السندات

التنبّؤ بأسواق العملات من خلال فرق عوائد السندات

30 مارس 2022 03:09 م

شهدت أسواق العملات تقلّباً ملموساً خلال الفترة الماضية، وجذب الين الياباني أنظار المتداولين بانخفاضه الحاد الذي دفعه لملامسة أدنى مستوياته مقابل الدولار الأمريكي منذ شهر ديسمبر عام 2015 عند 125 ين للدولار الأمريكي الواحد، قبل أن يهبط الدولار قليلاً إلى 121 ين للدولار.

كما عانى اليورو ضغطاً هابطاً قوياً شهر مارس الجاري ليلامس أدنى أسعاره مقابل الدولار منذ  شهر مايو عام 2020 عند سعر دولار و ثمان سنتات أمريكية لليورو الواحد، قبل أن يعاود الارتفاع وتقليص خسائره متداولاً ضمن نطاق دولار و11 سنتاً أمريكي مع اقتراب نهاية الشهر. أما الجنيه الإسترليني، فقد خسر خلال الشهر أكثر من 1.9% ليتم تداوله قرب دولار و31 سنتاً أمريكي.

عملات ترتفع وأخرى تنخفض، وأسواق العملات لا تتوقّف عن الحركة وسط تباين توقعات أسعار الفائدة من دولة لأخرى، ومن بنك مركزي لآخر. وبدأت عدّة بنوك مركزية رفع الفائدة منذ الربع الرابع عام 2021، وتبعتها بنوك أخرى مثل الفيدرالي الأمريكي الذي رفع الفائدة 25 نقطة أساس في أوّل رفع للفائدة منذ عام 2018.

وتتوقّع الأسواق رفع الفيدرالي للفائدة هذه السنة ستّ مرات إضافية، وتتباين الآراء بين توقّع رفعها لنطاق 2.25% - 2.25% وتوقّع نطاق يصل إلى 3.00% - 3.25%. ومن أكثر الأسواق التي تظهر لنا توقّع المستثمرين والمتداولين هي أسواق السندات، حيث تتأثّر العوائد السوقيّة للسندات بشكل مباشر بأي تغيّر بتوقعات البنوك المركزية.

مؤخّراً، تمت ملاحظة معامل ارتباط إيجابي بين فرق عوائد السندات بين دولة وأخرى، مقارنة بتحرّك أسعار صرف عملتا الدولة. لكن، معامل الارتباط يشترط أن تكون السندات نفسها ذات تصنيف ائتماني مرتفع من الدرجة الاستثمارية.

خلال شهر مارس، ارتفع فرق عوائد السندات بين سندات الحكومة الأمريكية استحقاق 10 سنوات وسندات حكومة اليابان لنفس الأجل لأكثر من 220 نقطة أساس لصالح السندات الأمريكية، مقارنة بفارق كان مقداره بداية شهر مارس أقل من 170 نقطة، والذي حصل مع اتساع الفارق هو ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني نحو 6%.

وبالنظر إلى فرق عوائد السندات الأمريكية عن البريطانية أمد استحقاق عشر سنوات، نجد بأن الفرق يبلغ أكثر من 70 نقطة لصالح الولايات المتحدّة، بارتفاع من 46 بداية شهر مارس، رافقه انخفاض الجنيه الإسترليني أمام الدولار بنسبة تناهز 1.9%.

بالنسبة لليورو، فقد هبط مقابل الدولار نحو 70 نقطة أساس، فيما ارتفع فرق العائد بين الولايات المتحدّة والسندات الألمانية استحقاق عشر سنوات من حوالي 175 نقطة إلى 179 نقطة.

نلاحظ أن هنالك ارتباط وثيق حصل بين حركة أزواج العملات مع تغيّر فرق عوائد السندات، أو ما يسمّى بالـ Spreads، لكن هذه العلاقة لا ترتبط بشكل جيد بقيمة العائد نفسه، بل الارتباط الأكثر وضوحاً هو بين تغيّر هذا الفرق مع حركة العملات.

والسؤال هنا، لماذا تتغيّر فروقات العائد السوقي للسندات؟

تكمن الإجابة البسيطة لهذا الموضوع في تغيّر توقّعات البنوك المركزية. على سبيل المثال، إذا كانت توقعات رفع الفائدة الأمريكية بعدد مرات وقيم أكبر من عدد مرات أو مقدار رفع الفائدة البريطانية، فهنا من المحتمل أن نشهد تغيّراً في فرق عوائد السندات السوقي لصالح الولايات المتحدّة.

لكن قد تكون الإجابة الكاملة أكثر تعقيداً، حيث أن عوائد السندات نفسها، أو سعر الكوبون، يعتبر ثابتاً عند الإصدار، ويتم تقديم خصم أو احتساب علاوة على السعر الاسمي للسند، وذلك بحسب الإقبال على طلب السندات. كلما كان الطلب قوياً، يتم إضافة علاوة على السندات، خصوصاً عندما تكون سياسات الدولة تتجه نحو تشديد السياسات النقدية. لكن، إذا كان الطلب ضعيفاً، أو إن كانت السندات ذات تصنيف ائتماني منخفض، فهنا يتم منح خصم على سعر الكوبون.

ومع بدء تداول السندات في الأسواق، يتغيّر سعرها السوقي ارتفاعاً وانخفاضاً بحسب قوى الطلب والعرض، وهنا تتغيّر العوائد المسمّاة "العوائد السوقيّة".

وعندما تتجه البنوك المركزية لرفع الفائدة، يضعف الطلب على السندات، لأن المتداولون سينتظرون إصدار سندات جديدة ذات أسعار كوبون أكثر ارتفاعاً، فيجبر مالك السند على تقديم خصم أو خفض السعر السوقي للسند، لترتفع بذلك العوائد السوقيّة.

الظروف السياسية والدورة الاقتصادية لها أيضاً تأثير مباشر على أسعار السندات السوقية وعوائدها، لكن في الوضع المثالي، تستجيب عوائد السندات للطلب والعرض والذي تؤثّر فيه أيضاً سياسات البنوك المركزية الحالية والمستقبلية.

القاعدة

عندما ترتفع فروقات عوائد السندات بين دولة X بدولة أخرى Y، فعلى الأرجح سيرتفع سعر صرف عملة الدولة X على حساب الدولة Y.

لكن، هذه القاعدة ليست مثالية، فمعاملات الارتباط رغم أنها إيجابية في أغلب الأحيان، لكنّها قد تتباين مقداراً بين حين وآخر، بل ربما نشهد بأن معامل الارتباط وقد أصبح سلبي في حال تغيّر أي ظرف أساسي اقتصادي أو سياسي. لكن، قد يكون من الرائع مراقبة تغيّر عوائد السندات، وتباينها بين الدول، وكيف تستجيب أسعار أزواج العملات مع هذا التغيّر، لأنها تعتبر أحد أساليب التنبّؤ بحركة أزواج العملات على المدى المتوسط والطويل.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط