الاقتصاد الأمريكي متوجّه نحو الركود، وليس أمام الفيدرالي خيار لمنع ذلك

الاقتصاد الأمريكي متوجّه نحو الركود، وليس أمام الفيدرالي خيار لمنع ذلك

13 يونيو 2022 04:47 م

أظهرت دراسة نشرتها صحيفة فاينانشيال تايمز بأن الاقتصاد الأمريكي سيدخل الركود عام 2023 على الأرجح، بل وهنالك توقّعات حتى لو كانت قليلة بأن نشهد دخوله في الركود ابتداءً من الربع الرابع من هذه السنة 2022، بعد فترة نمو تعتبر قصيرة نسبياً مقارنة بالدورات الاقتصادية المعتادة للولايات المتحدّة. في العادة، تستمر الدورة الاقتصادية الواحدة في أميركا مدّة 4 سنوات، لكن خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، استمر الاقتصاد الأمريكي بالنمو بمقياس التغيّر في الناتج المحلي الإجمالي ربع سنوي منذ الربع الثاني 2014 وحتى الربع الرابع 2019، في سلسلة نمو دامت لـ5 سنوات دون أي انكماش على مدى ربع سنة.

لكن، جاءت الجائحة عام 2020 لتدخل الاقتصاد الأمريكي في انكماش لم نشهد مثله منذ الحرب العالمية الثانية، لينكمش الاقتصاد الربع الأوّل والثاني من تلك السنة، تبعهما نمو قياسي الربع الثالث، ثم استمر النمو حتى الربع الرابع 2021، وشهدنا انكماشاً اقتصادي الربع الأوّل 2022.

سبب الانكماش خلال الربع الأوّل هو انخفاض الصادرات بنسبة 5.4% مقارنة بنمو الواردات 18.3%، إلى جانب انخفاض في المخزونات الخاصة بنسبة 1.09%، فيما انخفض أيضاً الانفاق الحكومي، ليسفر ذلك عن انكماش الناتج المحلي الإجمالي 1.5%. لكن، لا نستطيع أن نعتبر هذا الانكماش بداية الركود، فالإنفاق بقي قوياً، حيث نما الإنفاق الاستهلاكي 3.1%.

لكن مع تقدّمنا الربع الثاني من هذه السنة، وتزايد تأثيرات التوتّرات الجيوسياسية على الاقتصاد العالمي، أصبح من غير المستبعد أن يتأثّر الاقتصاد الأمريكي أيضاً بالسلب في هذا التباطؤ الاقتصادي العالمي. لكن، أبرز ما حصل خلال الربع الثاني من هذه السنة 2022 هو الارتفاع الهائل في التضخّم، والذي دفع الفيدرالي الأمريكي لتشديد السياسية النقدية برفع الفائدة من نطاق 0.00% -0.25% إلى نطاق 0.75%-1.00%، وهذا الأسبوع سنكون أيضاً مع قرار الفيدرالي الذي من غير المستبعد أن يتم فيه رفع الفائدة بـ50 نقطة أساس على الأقل، ليصبح معدّل الفائدة في نطاق 1.25%-1.50%.

لكن، لماذا يستمر الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة حتى مع احتمالات وقوع الاقتصاد الأمريكي في الانكماش؟

وصلت معدّلات التضخّم في الولايات المتحدّة الأمريكية إلى أعلى مستوياتها في 40 عاماً عند 8.6%، وعلى غير المتوقّع، أظهرت بيانات الأسبوع الماضي ارتفاعاً في التضخّم عكس التوقعات التي أشارت لاحتمال استقراره عند 8.3%. الجدير ذكره هو أن أسعار الغذاء ارتفعت أكثر من 10% خلال الـ12 شهراً المنتهية بنهاية مايو الماضي، فيما ارتفعت أسعار الطاقة لنفس الفترة أكثر من 34%.

الارتفاع الهائل في أسعار النفط بدأ بالتأثير في السلع المنتجة، حتى السلع الأساسية غير المرتبطة في الطاقة، إذ أن تكاليف الإنتاج والنقل ترتفع مع ارتفاع أسعار الطاقة. كما أن ارتفاعاً كبيراً حصل في أسعار الغذاء عالمياً بفعل التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية، إلى جانب العقوبات التي تم فرضها من دول الغرب على روسيا.

ارتفاع التضخّم يهدد بتغيّر حاد في العادات الاستهلاكية، وانخفاض في القدرة الشرائية للنقد، أي ما يستطيع الفرد الحصول عليه من سلع وخدمات مقابل الدخل. بالتالي، قد يدخل الاقتصاد الأمريكي بالانكماش نتيجةً لذلك، فهوامش الربحية للشركات ستنخفض مع ارتفاع تكاليف المدخلات والتكاليف التشغيليّة، وفي نفس الوقت، سينخفض الإنفاق الاستهلاكي بفعل ارتفاع الأسعار. وهنا، سندخل في معضلة اقتصادية جديدة هي "الركود التضخّمي".

ما هو الركود التضخّمي وما مدى سوء هذه الحالة الاقتصادية؟

الركود التضخمّي (Stagflation) هو حالة يرتفع فيها التضخّم بشكل كبير، ويرافق ارتفاعه انكماش في الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع معدّلات البطالة ويقل الاستهلاك. بذلك، هو عبارة عن حالة اقتصادية مخالفة لطبيعة ارتباط التضخّم في النمو. اقتصادياً، تسارع النمو يتسبب بارتفاع التضخّم، وتباطؤ النمو يقلل التضخّم، وفي الركود الاقتصادي ينخفض التضخّم بشكل كبير مرافقاً لانكماش في النمو الاقتصادي. لكن في الركود التضخّمي، هنالك فجوة تتسع بين النمو الاقتصادي والتضخّم، ويكون ضحيتها المستهلكين ثم الشركات وأخيراً الاقتصاد.

خيار صعب على الفيدرالي الأمريكي

ليس أمام الفيدرالي الأمريكي الآن إلا أن يرفع الفائدة بشكل سريع، للحد من ارتفاع معدّلات التضخّم قبل أن ينزلق الاقتصاد في الركود. معدّل البطالة ما زال منخفضاً قرب التوظيف الكامل عند 3.6%، معدّل نمو الدخل جيد، كما أن التشغيل لا نستطيع أن نقول إلا أنه قوي في الولايات المتحدّة. لذلك، قد يضحّي الفيدرالي في كل ذلك في سبيل خفض معدّلات التضخّم حتى لا يدخل الاقتصاد الأمريكي في ركود تضخمّي، لأن دخول الركود التضخّمي قد يعطّل أدوات الفيدرالي المتعارف عليها.

خفض التضخّم هو أكبر الأولويات للفيدرالي الأمريكي حالياً، وبالتالي لا يجب استبعاد وقوع الاقتصاد في الركود. سابقاً، كان من المعتقد بأن الفيدرالي قد يسمح لانخفاض تدريجي وبطيء وقليل في النمو الاقتصادي، لكن هذه مجرّد كلمات! فرفع الفائدة المتسارع سيتسبب على الأرجح بركود الاقتصاد الأمريكي، وهذا ما تعلّمناه من رفع الفائدة قبل الأزمة المالية العالمية 2008، وخلال الفترة ما قبل انفجار فقاعة التكنولوجيا 2001، وغيرها الكثير من الأمثلة عندما رفع الفيدرالي الأمريكي الفائدة بشكل متسارع تبعه ركود اقتصادي.

بالعودة لتوقعات الدراسة التي نشرتها فايناشيال تايمز، هنالك احتمال ضئيل مقداره 2% أن يدخل الاقتصاد الأمريكي بالركود الربع الرابع هذه السنة، لكن ترتفع الاحتمالات إلى 38% الربع الأوّل أو الثاني 2023، وتصل إلى 30% الربع الثالث أو الرابع من العام المقبل 2023، وبذلك، يبدو أن احتمال وقوع الاقتصاد بالركود خلال الفترة الممتدة من الربع الرابع 2022 إلى الربع الرابع 2023 يبلغ 70% (30 + 38 + 2)، وهذا ما يجب عدم استبعاده فعلياً.

من هنا، لا خيار أمام الفيدرالي إلا أن يستمر في سلسلة رفعه بالفائدة، فالركود الاقتصادي يعتبر ضرره أقل بكثير من ضرر الركود التضخّمي، وهذا ما شهدناه خلال فترة ثمانينات القرن الماضي، عندما دخل الاقتصاد الأمريكي في ركود تضخمي، ليبقى الاقتصاد متعثّراً خلال الفترة بين 1980 إلى مطلع 1983، أي أن الاقتصاد عانى على مدى عامين من الزمن تدهوراً شمل انكماش النمو في الناتج المحلي الإجمالي، رافقه معدّلات تضخّم مرتفعة جداً.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط